مرت أكثر من أربعة عقود على رحيل الشاعر الكبير حسين مردان، الذي كان شاعراً مغايراً ومختلفا عن أقرانه من الشعراء في كتابته القصيدة وعشقه وفقره وبؤسه ومرحه عبر حياة الصعلكة التي عاشها. ومن مفارقات الشاعر أنه ولد في أحد أقضية محافظة كربلاء عام 1927 وتوفيّ في بغداد عام 1972، انقلب الرقم رأساً على عقب ليشهد ولادة وموت الشاعر حسين مردان!
عاش مردان حياة التشرد داخل العاصمة بغداد حين جاءها من مدينة بعقوبة التي عاش فيها بدايات شبابه، وعندما اصدر ديوانه الاول "قصائد عارية" في عام 1949 تم اعتقاله ومصادرة الديوان من قبل السلطات آنذاك. الصحافة العراقية والعربية كتبت عن قصائد مردان العارية، والكثير من النقاد يؤكدون أن حسين مردان أول من كتب النثر المركز الذي يشبه الى حد كبير قصيدة النثر التي نكتبها اليوم، ويعتبر من الرواد الأوائل في كتابة هذا النوع الشعري الذي أصبح سائداً منذ سنوات طويلة.
لم أعاصر هذا الشاعر الكبير لكن الذين عاصروه أرشفوا لحياته وشعره وظل مردان الحاضر الغائب. ويروي الراحل الكبير محمود عبد الوهاب ان لحسين مردان الكثير من الطرائف الجميلة وصادف أنه زار مدينة البصرة بعد ثورة تموز 1958 ويسنده في المشي الشاعر الراحل رشدي العامل، وعندما رآه محمود عبد الوهاب على حالته هذه أستغرب ! فرد حسين مردان:" عيوني محمود أصابني داء الملوك في العهد الجمهوري". لم يحصل مرادن على وظيفة حكومية في حياته، وفي آخر أيامه تم تعيينه في المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون كمعاون للمدير العام الذي كان محمد الصحاف، وقبل أن يتسلم راتبه الأول رحل عن الدنيا!
كتب الشاعر العراقي فوزي كريم قصيدة رثاء عن الشاعر حسين مردان عندما كان حياً ونشرت القصيدة في مجلة الأدب في وقتها، وعندما قرأ مردان قصيدة فوزي عنه وهم يجلسون في حديقة اتحاد الأدباء في ساحة الأندلس قال حسين مردان لفوزي كريم "انك ترثيني وأنا على قيد الحياة" ولكن بعد فترة قصيرة مات حسين مردان!
في قصيدة الشاعر الكبير فوزي كريم وهي قصيدة تأبينية أسست للرثاء من خلال التركيز والتكثيف وتسليط الأضواء على شخصية الشاعر حسين مردان الإنسانية العالية والتي ميزته عن غيره، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعمم قصيدة القطار على شخصية أخرى غير شخصية مردان فالقصيدة فيها مفرداته وأماكنه وكل تفاصيله، وقد نجح فوزي كريم بعد سنوات بأن يجعل من الرثاء حياة أخرى لشاعر راحل وان اسم الشخصية المرثية عنوان للقصيدة دون إضافة أو اسناد لصفة او فعل، ومنح فاعلية لتشكيل المعنى المتعلق بالرثاء، عندما نقرأ القصيدة نشعر بوجود حسين مردان داخلها أو أنه يعيش معنا جراء حجم الحزن والألم الذي تحمله مردان، فيما القصيدة تصمت أمام موقف الفقدان الذي افترضه فوزي كريم. يقول الشاعر الكبير فوزي كريم في قصيدة رثاء صديقه الشاعر حسين مردان :
يا قطار الشمال
يا قطار الجنوب
يا قطاراً صدئتَ بلون المحطة،
نمتَ، استرحتَ أمام البيوت،
هل تريد اسمه ؟
اسمه في الهوية حسين مردان
واسمه في الشارع حسين مردان
واسمه في المقاهي الإله
واسمه حين يعتزل الناسَ آه.
ياحسين مردان
كيف تركتَ البابَ مفتوحاً
والليلُ لم يبدأ
وكان السرُ مفضوحاً..

عرض مقالات: