تعكس تجربة الفنان" تحسين الزيدي "مرحلة مهمة من مراحل نضوج الفن التشكيلي المعاصر، لوحات حلمية متعددة الدلالات عن حالة الاغتراب والصراع الداخلي التي باتت تحتل مساحة واسعة للإنسانية، تلك اللوحات المتمثلة في المفهوم اليومي/ الذاكرة الطفولية، الحلم، هرباً من واقع مؤلم، بحثاً عن متنفس في عالم افتراضي، امام ابصارنا صور غائية من حياتنا اليومي يضعها الفنان ومن وحي ذاكرةٍ كل ما تملكنا من تخيل هي،  نحاورها في لحظات خلوتنا بأنفسنا.

الفنان تحسين الزيدي فنان تجريبي خاض كل أشكال التعبير التشكيلي الحديث والمعاصر، عبر طرق متعددة، من أجل رسم هوية فنية خاصة به، نجده قد عاد إلى اليومي المهمل، بمختلف رموزه وألوانه وصيغه ومفرداته واعادة رسمه بتقنية فنية تتواءم مع المعاصرة، باحثا عن فرصة للاستقلال التام من التبعية والمدارس الغربية.. بحث سيمكنه أن يضع لنفسه بصمة خاصة يتفرد بها وتحمل الطابع الشخصي له. تستدعي الأسئلة الخاصة بالفن والحفر عميقاً في المشهد التشكيلي الحديث، وإخضاعه الى المساءلة وللتعرف إلى أبجدياته ورهاناته ومتطلباتها في ظل بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية مضطربة، يسودها التخلخل ويطبعها الخراب، فضل مساءلة الجسد بكل تجلياته، يوميات تلقي بظلالها عليه؛ والفنان أول ضحايا هذه الأوضاع. وبما أن الفنان جزء من هذا الواقع، فإنه لم يكن يوما بمنأى عن كل ما يحدث.. وكنتيجة لهذه الظروف فإن الفن والفنان معا تعتريه الضبابية ويغلفه الغموض ، لذلك على الفنان أن يكون واعيا بهذه المخاطر، فيحافظ على الشعلة في داخله من خلال التمرد على الوضع السائد من وسائط جمالية جديدة تستجيب لرؤاه وترقى بالذائقة الفنية، ولن يتأتى ذلك إلا بتوفير مساحة أكبر من الحرية للفنان لأنها هي والإبداع متلازمتين ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.

إن توظيف الحلم في لوحاته هو تركيز وتأكيد على الهوية التي ينتمي إليها الفنان. لهذا تتنوع أساليب الاشتغال في لوحاته، وذلك حسب الفضاء الفني وتأثيراته وما تحمله من خصوصية فنية، بمفهومهما الهوياتي  والأدواتي. فالاتجاه نحو الحلم من قبل الفنان صار يتنامى يوما بعد يوم داخل الحقل البصري/ السردي صار يدركها الفنان من سُلطة التجريب داخل العمل لديه محاولة لتجاوز القرين الغربي، واصطباغ هوية متفردة . فالفنان صار يوظف المفردات اليومية داخل العمل الفني بعد أن يعيد ترتيبها وصياغتها عبر قالب حداثي ومعاصر. مشكلا بذلك رؤية بصرية مغايرة تنهض بالهوية التي ينتمي إليها.

أقول هناك بوادر فنية قد تطورت مع الزمن منها الحركية التي خلقتها المراحل التطورية من بينها الرجوع إلى الذاكرة وإعادة إنتاجها قد أعطت دفعة وزخما قويين للفنان على الإبداع والتجريب، إذ نلاحظ مجموعة من اللوحات تمثلت فيها الرموز العفوية بآليات التبسيط والتسطيح والابتعاد عن الرسم الأكاديمي، فأعمال الزيدي مشبعة بالروح الغارقة بالفنتازيا والغارقة بالهلامية الحلمية باستثناء بعض الأجزاء الظاهرة والمراد التركيز فيها على الفعل المؤثر تبقى ملونة فتكون أعماله بالضرورة تستمد قوتها الجمالية من المتداول اليومي بتقنية جمالية مبهرة.