ينبغي ان يكون ذلك حدث عام 1953، اواخر شاط او اوائل آذار.

كان صف الشيوعية و مكافحة الأمية الذي كنت فتحته للعمال، بعد ساعات العمل، قد اغلق ابوابه، فأغلقت باب الورشة، ورحت اهيئ فراشي." تختين" خشب مما يجلس عليها الحاج خلال ساعات العمل و بطانية كان الراحل، الرجل الطيب، صديق  الشيوعيين، الحاج خليل عطره، قد وفر لي في  ورشته للنسيج اليدوي، مكانا للعمل و ملاذا من مطاردات الشرطة.

سمعت طرقا خفيفا على الباب. يا ستار! من في هذه الليلة المطيرة؟ شرطة؟ لا. و الا كانوا خلعوا الباب.

- منو؟" في صوت اقرب الى الصراخ.

افتح... افتح رفيق!

رفيق! و في هذا الوقت من الليل!

فتحت  كان ذلك الرجل الناحل.  *1 الذي كان يلتقي منظمي في ذلك الوقت، الراحل ناصر عبد الأمير، في مقهى ابو سليم، المجاور للورشة.

 ركن دراجته على حائط مجاور، دخل تتساقط قطرات المطر من ثيابه، ناولني رسالة ملفوفة بورق لاصق مما كنا نتداوله في المراسلات، بيننا و بين الحزب، صغيرة، ملفوفة بعناية،

 اقرب الى برشامة الدواء.

قال في نبرة لا يعوزها الحزم: افتحها! نفذ ما مكتوب فيها"

غادر. اعتلى دراجته. ابتعد يلفه المطر و الظلام...

اغلقت البوابة. انحدرت الى الداخل، فتحت الرسالة بأصابع، مرتجفة على ضوء اللوكس. قرأت:

تذهب غدا صباحا الى سجن الموقف في باب المعظم. تسأل عن أبو  زهير *2. سيخبرك بما عليك ان تفعله!"

لم انم تلك الليلة، الا لماما، حتى الصباح.

كانت ليلة مشوشة، مضطربة. ارتفع فيها وجيب قلبي حتى خفت ان يسمعه احد! هكذا بدا لي.

 

مع ان الرسالة الملفوفة، الملغومة، هيجت لدي روح المغامرة، و غير روح المغامرة!- كنت غادرت الروايات البوليسية، توا، و بدأت اقرا الأدب الثوري-، الا انها- لا انكر-اثارت لدي المخاوف.

سأكون كاذبا، مدعيا، لو انكرت ذلك. ليس هذا شأني.

  قلت: الصباح رباح...او خسران! فلأنتظر الصباح

 كان الفجر بدأ يشقشق، ارتفع صوت المؤذن،  فأخذتني سنة من النوم.

بغداد 21  2  2018

 

*1  التقيته عام 1954، في سجن بعقوبة، انه الشيوعي، القائد النقابي، عامل الخياطة، اكرم حسين

* 2  سليم الجلبي، مسؤول المنظمة الحزبية في سجن الموقف