طريق الشعب

تحت شعار "المربد واحة للشعر"، انطلقت على قاعة المركز الثقافي النفطي في البصرة، مساء الأربعاء الماضي، فعاليات مهرجان المربد الشعري، بدورته الثانية والثلاثين، وبحضور نحو 300 أديب وكاتب ومثقف عراقي من محافظات العراق المختلفة، اضافة الى كتاب عرب وأجانب من الامارات والسعودية والكويت وعمان والبحرين ولبنان وسورية واليمن ومصر والاردن وفلسطين والسودان والمغرب والجزائر وتونس وليبيا وايران واليابان والدنمارك وطاجكستان وفرنسا وتركيا.

حضر جلسة الافتتاح كل من وكيل وزرة الثقافة طاهر الحمود ومحافظ البصرة وأعضاء مجلس المحافظة والقنصل الأمريكي في البصرة.
وجاءت هذه الدورة بعد "31" من سابقاتها التي كانت اولاها عام 1971 ونظمتها وزارة الثقافة، وحضرها الشاعر الراحل محمد مهدي الجواهري والشاعر السوري أدونيس، إلى جانب مشاهير الشعراء العراقيين والعرب.
استمد المهرجان عنوانه من سوق المِربَد التي كانت تقع في قضاء الزبير بمحافظة البصرة، وكانت متسعا لأعراق مختلفة من فرس وصينيين وهنود وأقباط وعرب، وكان من أشهر نجومها جرير والفرزدق وبشار بن برد وابو نؤاس والجاحظ والكندي وسيبويه والاصمعي والفراهيدي.
وينظم المربد سنوياً، إلا أنه شهد فترات انقطاع نتيجة لظروف سياسية وأمنية في السبعينات والثمانينات، ونقلت فعالياته في بعض الدورات إلى العاصمة بغداد. وبعد عام 2003، انطلقت دورته الأولى، وقرر القائمون عليه اضافة الدورات المقامة سابقاً ليبلغ عددها 32 دورة.
في جلسة الافتتاح وجّه رئيس الجمهورية فؤاد معصوم كلمة متلفزة إلى الحاضرين، بثت مباشرة عبر شاشة عرض تلفزيوني، جاء فيها:"وجودُكم هنا في البصرة التي أنجبت أو احتضنت أبا الأسود الدؤلي والأصمعي والجاحظَ والفراهيدي وسيبويه والحسنَ البصري وبشار بن برد، حتى بدر شاكر السياب ومَن كان معه أو جاء بعده من شعراء التجديد الشعري خلال القرن العشرين، هو وجود حيوي بين عبق التاريخ وجمال التطلع إلى حاضرٍ تستحقه البصرة".
وكيل وزارة الثقافة طاهر الحمود حيّا في كلمته المشاركين في المهرجان مشيرا الى أن ما حققه العراقيون من انتصار على الارهاب سيسهم في توحيد جميع طوائفه مما يجعل المرحلة القادمة في حالة ازدهار.
ورحب محافظ البصرة أسعد العيداني بالضيوف وأشاد بالدور الابداعي للشاعر كاظم الحجاج الذي تحمل الدورة اسمه، مبينا ان مؤتمر هذا العام يختلف عن المهرجانات الأخرى من حيث الاستعدادات والاستحضارات من خلال الجهود التي بذلت من قبل القائمين على المهرجان.
رئيس اتحاد الأدباء في البصرة، رئيس اللجنة التحضيرية للمهرجان الدكتور سلمان كاصد رحب في كلمة له بضيوف المهرجان في "بصرة الأدب والشعر التي انبت فيها أنقى بذور العلم والمعرفة والشعر" وأضاف: "اليوم نجتمع على ضفاف شط العرب في البصرة، بصرة الخليل والسياب بصرة الجاحظ والحسن البصري يجتمع الشعر بكم يا شعراء الأمة، فالحرف اكتشف هنا، وهنا خطت الكلمة وهنا صيغت الملحمة الشعرية الاولى على هذه الارض وأوضح أن هناك فعاليات عدة ستواكب المهرجان ومنها معارض فنية، تشكيلية وفوتوغرافية، إضافة الى صدور جريدة المربد، لتواكب فعاليات المهرجان اليومية".
شهدت الجلسة الأولى للمهرجان خمس قراءات شعرية، إلى جانب نشيد المربد الذي كتب كلماته الشاعر كريم العراقي، إضافة إلى فعالية قدّمتها فرقة الخشابة البصرية، حيث غنت قصيدة "أنشودة المطر" للشاعر بدر شاكر السياب، بطريقة "الهيوة".
وشاركت في هذه الدورة وجوه شعرية عربية، منها الشاعر جاسم الصحيح، ورئيس اتحاد الأدباء العرب حبيب الصائغ، ورئيس بيت الشعر التونسي المنصف المزغنّي، ورئيس بيت الشعر الكويتي عبد الله الفيلكاوي وغيرهم.
وقال الشاعر كاظم الحجاج في تصريح صحفي لجريدة المربد: "تكريمي في هذا المربد، هو تكريم توديعي، أشبه بإعلان التقاعد بعد أن شاركت في 28 دورة من دورات المهرجان"، مبيناً أن "الشاعر بعد خمسين سنة من الشعر عليه أن يتقاعد"!
من جانبه، قال الشاعر المصري محمد الحمصي إن "مهرجان المربد يعيد العراق الى واجهة الشعر في ظل مشاركة 360 شاعراً، منهم 70 شاعراً من مختلف الدول العربية"، معتبراً أن "هناك ملتقيات شعرية تقام في الدول العربية، لكن مهرجان المربد له بريقه الخاص".
وأعرب عدد من الشعراء العرب والعراقيين منهم الشاعر السعودي محمد حرز والشاعر الإماراتي حسن النجار في تصريحاتهم الصحفية عن شكرهم للبصرة على استقبالها للوفود المشاركة وأعربوا عن فخرهم بالمشاركة في المربد الشعري واعتلائهم منصة الخطابة في حضرة السياب والجاحظ.
توالت جلسات المهرجان منذ صبيحة اليوم الثاني وبواقع جلستين صباحية ومسائية حتى انتهاء المهرجان وتخللت الجلسات قراءات شعرية كثيرة اضافة الى قراءة دراسات نقدية وعرض عدد من الأفلام والمسرحيات والأغاني الفلكلورية.
وكالعادة في كل عام رافقت مهرجان المربد، قبل وخلال انعقاد دورته الجديدة وبعد اختتامها آراء ووجهات نظر انتقدت تنظيم دورة المهرجان وأسلوب الدعوات وما حصل خلال انعقاد الدورة، لكن الجميع اتفقوا على ما يبدو على حال مدينة البصرة وما جرى لها من جفاف وهدم وتهديد خطير لهويتها الحضارية وسحر جمالها.
ونشر الكاتب توفيق التميمي على صفحته الشخصية في "الفيس بوك" مقالا جاء فيه: "تمنيت ان تحشد الطاقات وتعبأ الجهود للإخوة المشاركين والضيوف باتجاه موقف صلد وموحد ازاء ما يحصل في البصرة من تجريف وازالة كل معالمها المدنية والاثارية والحضارية وآخرها مبنى التاريخ الطبيعي التابع لجامعة البصرة والقريب من كورنيش البصرة مقر اقامة وفود المربد وضيوفها والذي باعته الجامعة مؤخرا بحجة تعضيد الموارد المالية للجامعة وسيقوم هؤلاء المقاولون بهدم هذا البناء الذي يتجاوز عمره المائة عام بكل جمالياته المعمارية وقيمته التراثية للبصرة والعراق".
وخاطب التميمي نصب الشاعر بدر شاكر السياب على ضفاف شط العرب قائلا: "ايها السياب زرت مدينتك التي كانت خضراء رغم غياب زيارتها عن مفردات هذا العام فانا ازور ابو الخصيب كزيارة مدينة اتبرك ببساتينها التي اختفت وانهارها التي ماتت ومينائها الذي اندثر.. اتبرك بقصص العشق التي غابت مع غروباتها المتوالية.. ايها السياب وجدت مدينة لا تمت لمدينتك التي دونتها في ميراثك لا بالملامح ولا بالروح.. وجدت مدينة تتباهى بأبواب محلات اغتصبت ضفاف النهر وجدائل البساتين بنشوة حيوانية.. وجدت ما تبقى من نخلات تندب مصيرها المحتوم وموتها القادم.. "مطر مطر وفي العراق جوع".. لم يردد السياب هذه المعزوفة الا وهو يشهد ان مطر العراق كان كافيا لإرواء بساتين ابائه واجداده في جيكور وما حولها من القرى الخضراء التي استبيحت وتحولت الى محلات وحسينيات وانهار محتضرة.
وأضاف التميمي: "تمنيت ولو لمرة واحدة أن يحدث خرق في مفردات منهج المربد وبرامجه واستثمار وجود شخصيات وكفاءات مواهبها وعبقريتها من ضيوف المهرجان وخارج الفضاء الشعري يمكن ان يقوموا بندوات هامشية او طاولات مستديرة في فنون ما يتقنوه من فكر ومعرفة واثارة الاسئلة المهمة التي تمس وجود الثقافة نفسها ومستقبلها ودورها في ترميم الواقع، وذلك بالطبع لا يؤثر على هوية المهرجان ولا يخدش هيبة الشعراء".