ترجمة وإعداد عبد اللطيف السعدي

ولد المناضل أميلكار كابرال، العام 1924 في جمهورية غينيا بيساوّ، أصل الأم والأب من رأس الجبل الأخضر. عُرف بخبرته وعمله في ميدان زراعة الحمضيات، إلى جانب كونه مثقفاً وشاعراً، ومكافحاً ثورياً، وسياسياً منظماً، ناشطاً من أجل استقلال وحرية، ليس فقط بلديه غينيا بيساو ورأس الجبل الأخضر، وإنما كل شعوب القارة السوداء، على امتداد سنوات الكفاح في الستينات وأوائل السبعينات وحتى حادثة اغتياله الإجرامية، في عام ، في 1973 في كوناكري.
درس كابرال في المعهد العالي لزراعة الحمضيات، في العاصمة البرتغالية لشبونا، وبدأ من هناك بتأسيس الحركة الطلابية لمقازمة الإحتلال الإستعماري البرتغالي لبلديه.
عاد المكافح الشاب إلى أفريقيا عام 1950. وفي عام 1956، أسس الحزب الأفريقي للاستقلال، في غينيا بيساو ورأس الجبل الأخضر (P.A.I.G.C). وهو أيضاً من مؤسسي الحركة الشعبية لتحرير أنغولا (M.P.L.A)، إلى جانب صديقه الشاعر الأنغولي، أغوستينو نيتو.
بين عاميّ 1963، و 1973، قاد أميلكار كابرال الكفاح المسلح، في غينيا بيساو، ضد المستعمرين البرتغاليين. وبسبب دوره البارز والمعروف، على الصعيد العالمي، فسح له في المجال للتحدث أمام لجنة حقوق الإنسان لمنظمة الأمم المتحدة، وذلك في عام 1968. وفي شهر تموز من عام 1970، استقبله بابا الفاتيكان باولو السادس.
لم ير، أو يعش كابرال لحظات الفرح بتحقيق استقلال بلديه الأفريقيين، والتي ضحى بحياته من أجل بلوغ حريتهما والاستقلال بالسلاح والكلام. فلقد تحقق استقلال غينيا بيساوّ في عام 1974، أما جمهورية رأس الجبل الأخضر فقد نالت الحرية، عام 1975. كما لم يشهد الاحتفاء بطباعة كتابه الشعري الأول، الذي أسهم في إطلاق كلماته وأفكاره الإنسانية وأخلاقياته، نحو الفضاءات العالمية, بعد أن بقيت حبيسة انشغالاته الشخصية.
وفي حفل تقديم كتابه "الزهرة السوداء ... عشرون قصيدة من أجل عالم أفضل" في وقتٍ سابق في العاصمة الإيطالية روما ، بعد ترجمته إلى الإيطالية، وبرعاية سفارة جمهورية رأس الجبل الأخضر، تحدث فيه مختصون ومؤرخون وناقدون عن فكر وكفاح وشعر المكافح أميلكار كابرال. وفي تقديم الكتاب، كتب سفير جمهورية رأس الجبل الأخضر في روما، وهو الراعي والمحتفي بكتاب المناضل كابرال "هارمونية حساسية كابرال، تجمع وبكل بساطة وهدوء، بين البحث الجاد والمحدد، والأمل بعالم مختلفٍ وأكثر عدالة".
ومن بين قصائد هذا الكتاب، اخترتُ بعضاً من قصائده، للتعريف به وبشاعريته. وأرى من المفيد ذكر أنني وفي مداخلتي خلال حفل التقديم، أشرت إلى معرفتي بالمناضل والشاعر كابرال أعوام السبعينات، بفضل جريدة حزبنا الشيوعي العراقي، طريق الشعب، التي كرست صفحات منها للحديت عنه.

زهـــــــرتي السوداء

روزا *
يدعونك روزا، سودائي الممتلئة،
جسدك المتمايل، يمضي راقصاً،
سودائي الممتلئة، المنسابة والباسمة
امتلئي بالحياة، مفعمةً بالآمال.
في جسدك يتصاعد، نسغٌ للحياة
جسدك يصرخُ،
وشفتاك باسمتان ...
أخاف على مصيرك ... مستقبل الحياة،
تلك التي تحييها،
في واقعنا الراهن ..
سيكون لك، غداً، أطفال،
ياسودائي الممتلئة
الدوالي تنتشرُ في ساقيكِ،
والآلام في الجسدِ.
ياسودائيّ الممتلئة، لن تدومي زهرةً
ستكونين سوداء بلا حياة، تغمرك الأحزان،
ستبقين سوداء،
أخاف على مصيركِ !!
لا لن أخاف على المصير،
يا سودائيّ الممتلئة.
عاجلاً ستنتهي حياتك ...
وستكونين أماً لأطفال صغار ...
ولكنك ستعودين – حتماً- الى الحياة .....
ويوم غدكِ الأفضل .... آتٍ !!!.

* هنا يدعو كابرال أفريقيا بالزهرة السوداء، ويناجيها وكأنها امرأةً، أفريقيا الأم ...

***

ما العمــــــــــل؟!

أنا لا أفهم الحب،
لا أفهم الحياة.
أسرارٌ لا يمكن سبر غورها،
هائلة ...،
أسرارٌ يواجهها الإنسان،
أسرارٌ لسرٍ واحدٍ،
هو الروح ... روح الإنسانية ...
أنا لا أفهم الحياة:
صراعٌ بين بني البشر،
حروبٌ تسودُ،
والجوعُ، والظلم ينتشرُ ...!
فقراء على مدى عصرٍ،
وتطلعاتٌ تموت ...
والأقوياء، ينفقون بعبثيةٍ،
ويشترون أشياء بلا فائدة.
أشياء يرغبُها آخرون ... !!
لا أفهم الحب:
فنحنُ نحبُ ما نعرفُ
الذي لا نستطيع إثباته،
والذي نرغبُ فيه كثيراً.
الحياة لا تستوعبني،
وأنا لا أفهمها.
ارغب بفهم ومعرفة الحب،
ولكن الحبَ لا يفهمني !!!.

***
ســــــفنٌ بلا وجهــــةٍ

ضائعةٌ،
طافيةٌ ...،
شمسٌ للمحيط،
عطشى، ملؤها الحجر،
هي أجزاءٌ أفريقيا،
قارتنا السوداء.
جزرنا ..،
بناتٌ مرفوضات،
من القارةِ السوداء،
تبحرُ حزينةً ...،
كسفَنٍ قديمةٍ،
كسفنِ ... البرتغال القديمة،
وهي تفتح ثلمةً،
في البحر العظيم ...
سفَنٌ، تكتشفُ جزرنا
ومع الريح، وقوة العاصفةِ،
تبحــرُ
لرأس الجبلِ الأخضرَ...،
الجزُرِ البنات ...،
بناتُ القارة السوداء،
المترامية الأبعاد.
عشرُ مراكب كبيرة،
تبحثُ عن اللانهايةِ ...
عشرُ مراكبَ ... بلا أشرعةٍ،
تبحثُ عن اللانهايةِ ...،
ومع العاصفةِ ... مع الريح
تذهب ... مبحرةً بهدوء ...،
بلا ضجبجٍ، جزرنا ...
بناتُ القارةِ السوداء.
جزر، سفن الجوعِ أبحرت غرباً،
نحو الحلم ... أم نحو المصيبة؟
أين ذهبت؟ وهي بلا وجهةٍ أو هدف؟
شمسٌ، تضيعُ ...
تطفو،
ونحن نبقى حالمين،
ومع المعاناه،
نبحثُ عن أفق ..!