تخلب بعض الروايات قارئها منذ صفحاتها الأولى من خلال تطوير حبكة سريعة تغريه بالمواصلة وأن من المعيب لدى بعض القراء أن لا يتمتع الروائي بموهبة توريط القارئ مبكرا وقد يؤدي ذلك ببساطة إلى إنقاص نجمة أو اثنتين من نجوم التقييم.
إغراء القارئ هو ما يسعى كاتب الروايات البوليسية والروايات العلمية وروايات الفنتازيا إلى فعله لينغمر القارئ في الأحداث و يختم الكتاب بجلسة واحدة. لكن, لا ترتقي هذا الروايات إلى مصاف الأدب الخالد بدليل إنها سرعان ما تذوي وتنطفئ ويلفها النسيان إلا ما ندر منها. فرواية فنتازية مثل "هاري بوتر" لجي كي راولينغ مثال على الرواية سريعة الإيقاع المقلقة. وهذا ينطبق أيضا على رواية نالت شهرة واسعة وتحولت إلى السينما وهي ثلاثية الهانغر غيمز أو لعبة الجوع للأمريكية سوزان كولين والتي باتت ظاهرة في العقد الأخير قلدتها العديد من روايات الديستوبيا لاحقا كالملكة الحمراء لفيكتوريا افيارد.
هذه الروايات مقبولة ومقروءة على نطاق واسع ولكن لا أحد يتحدث عن قيمتها الأدبية أو كشفها عن وجه من وجوه النفس البشرية! وأنا هنا أرى بأن هذا النوع من الأدب السريع يمسح من الذاكرة البشرية لأنها تشبه الأغاني السريعة التي تحدث فورة سرعان ما تخفت ويمتصها الصمت بعد أشهر قليلة من إطلاقها.
أن إيقاع الحياة المربك يتسبب لنا بموجات قلق تفقدنا الإحساس بقيمة الأمور البسيطة التي تنزلق من تجربتنا المباشرة مع الأشياء. ولا أعني هنا بالقلق ذلك الشعور الواعي بأن وجودنا الفكري مهدد, بل شعور الانتكاس الذي يبعدنا عن فهم ما يجري فينا من إضطرابات. فقراءة رواية بطيئة الوقع تعيد إلينا ما تحلل من التفاصيل التي تدفع بعجلة تفكيرنا الى التأمل. الرواية التي تتفتح بمهل توجهنا إلى معاينة لمحات من حياتنا الشعورية. فالروايات السريعة ليست فقط مربكة, بل إنها تمنح شعورا زائفا بالسعادة فيتدفق الدوبامين بنفس الطريقة التي يمنحها شراء وجبة جاهزة أو إمضاء الوقت أمام التلفزيون. فالرواية التجارية استهلاكية مقلقة لا تطرح أسئلة وغالبا ما يتلوها شعور بالانتكاس فلذتّها عابرة.
الحبكة الإعصارية تغذي الصوت القلق الذي يتكلم في رؤوسنا وتمده بقضايا رخيصة بهدف بعثرت أسئلتنا حول الحياة والسلم والمصير والقدر. الروايات السريعة تنجرف مع سيل الوقت فلا تستطيع مقاومة الزمن بل تركس في القعر إلى أن يذيبها الأدب الذي يطرح الأسئلة ويشعل قناديل القلب.
الرواية التي تدعو إلى التأمل مثل رواية هاربر لي الوحيدة لا يمكن أن تقرأ إلا بتمعن و كذلك هي روايات ريمارك مثلا. ففي كل قراءة يشارك القارئ بخلقها فلذلك قد يكتفي بروايات محددة يظل يقرأها طوال حياته فينتج عن إفراز الدوبامين شعورا بالإنجاز والاكتفاء يشبه توصيل خبرة أو إيقاد فكرة. وهذا لا ينطبق على الكلاسيكيات فقط, بل أن هناك رواية حديثة من الأدب الجيد التي تتفجر أسئلة كرواية الاسترالية م. ل. ستيدمات الضوء بين المحيطات.
الرواية التي تحثّ على التفكير بالمسلمات تحدث إحساسا بالبهجة بينما تحدث الرواية السريعة إحساسا بالمتعة وسيان بين البهجة والمتعة. تمنح الرواية العابرة شعورا بإشباع زائف يتبعة فراغ. تميل روايات الأسئلة إلى أن تعمر طويلا ولا تكتفي بأن نعيش بين صفحاتها مرة واحدة في حين تنطفئ الروايات التجارية بعد القراءة الأولى.
تكشف الروايات الجيدة عن مكامن الضعف و القوة و الإرادة والتغير والاستمرار والخلق بينما تنمي نقيضتها إحساسا بالتخمة فيكفي أن نقرأ "الشفق" لستفيني ماير لنتأكد من ذلك! هذا تحليل عام يقر بأن القيمة الأدبية ذاتية لا تقيدها شروط.