هلسنكي ـ متابعة

صدرت مؤخرا في القاهرة، رواية جديدة للكاتب العراقي، المقيم في فنلندا، يوسف أبو الفوز، تحت عنوان (جريمة... لم تكتبها آجاثا كريستي)، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، في سلسلة الابداع العربي.  تقع الرواية في 242 صفحة من القطع المتوسط، بغلاف من تصميم السيد سمير درويش، مدير سلسلة الابداع العربي بالهيئة العامة للكتاب.

تناولت الرواية بأسلوب بوليسي تشويقي، عبر الغاز ومفاجآت، احداثا جرت توافقا مع موجة هجرة العراقيين الى أوروبا وفنلندا عام 2016-2015. فعثور الشرطة الفنلندية على جثة أمرأه مقتولة في غابة، يدفعها لاستجواب الشهود والمتهمين، من بينهم عراقيين، الذين يجدون أنفسهم متورطين في احداث جريمة قد تقود الى جريمة أكبر. حاولت الرواية تسليط الضوء على أسباب ووقائع الهجرة، وتأثير الهجرة على طبيعة المجتمع الفنلندي وتعامل مختلف القوى المجتمعية معها، ومن ذلك نشاط قوى اليمين المتطرف والحركات العنصرية، وابرزت هموم ومعاناة الشباب العراقي الباحث عن الخلاص، خلال انتقالهم الى بيئة وثقافة مختلفة وحياتهم في مراكز استقبال اللاجئين. وتجتهد الرواية لتسليط الضوء على التطورات في المجتمع العراقي من بعد زوال النظام الديكتاتوري البعثي، ونتائج سياسات حكومات المحاصصة الطائفية التي غذت الانقسام والاحتقان الطائفي وغياب الأمن المجتمعي بتوفير البيئة لوجود ونشاط الجماعات المسلحة، التي صادرت كرامة الشباب الذي يضطر لمغادرة البلاد. ولم تغفل الرواية الحديث عن معاناة أبناء الشعب العراقي وما تعرضوا له من عسف واضطهاد في زمن النظام الديكتاتوري المقبور بحكم عدم ولائهم لحزب البعث الحاكم وأفردت دورا متميزا للمرأة العراقية.

الكاتب يوسف أبو الفوز، الذي بدا سعيدا بصدور روايته الجديدة، قال بأنه انتظر طويلا صدورها، إذ كان يفترض صدورها العام الماضي وتأخر ذلك بسبب جائحة الكورونا. وأضاف بأن الرواية إذ تتابع مصائر وهموم مجموعة من المغتربين واللاجئين العراقيين في فنلندا، فأنها تحلق في فضاءات الهم العراقي، واجتهدت في إدانة تناسل القوى الفاسدة وطغيانها في التحكم بمصائر الناس ومصادرة حقوقهم، فالجريمة هنا لن تكون فقط قتل انسان وسلبه حياته، بل ومصادرة حقوقه ووطنه ومحاولة تحطيم أحلامه، لكن الانسان يمتلك دوما الأمل والفرصة للنهوض وبناء حياة جديدة أفضل.

ومن الجدير بالذكر ان الكاتب العراقي يوسف ابو الفوز، مواليد السماوة 1956 ، غادر العراق لاسباب سياسية عام 1979، والتحق بقوات الانصار الشيوعيين عام 1982 في كوردستان العراق، وبقي هناك حتى احداث الانفال عام 1988 ، حيث بدأت رحلته مع التشرد والمنفى واستقر في فنلندا ، منذ مطلع 1995 . واصدر العديد من الكتب القصصية والادبية ، ومتواصل في نشاطه الاعلامي والادبي . وفي عام 2002، في هلسنكي ، صدرت مجموعته القصصية “طائر الدهشة” ، مترجمة الى اللغة الفنلندية.  

نقرأ من أجواء الرواية:

 (ما إن اجتاز باب مركز الشرطة المزدوج، حتى رأى في الصالة العريضة زهير رمضان، منحنياً باهتمام يقرأ بجريدة، مقرباً إياها من عينيه، كأنه يتهجأ الكلمات فيها. لمحه زهير فعدل جلسته. نهض ببطء لكنه بقي واقفاً في محله. اقترب منه مقدراً موقفه. صافحه وهو يحدق في عينيه متسائلاً:

ـ ألك علاقة بالأمر؟

قال زهير بتوتر:

ـ إنه صديقنا فالح علوان. ينتظرك. يرفض الحديث إلا بحضورك. كان هذا رأينا المشترك، أنا وإياه. نعتقد أنك قادر على مساعدته. أرجوك. الأمر ليس هيناً. إنها قضية حياة أو موت. قد تحدث جريمة أخرى إن لم تعالج الأمر بحكمة شديدة وتسمع اقتراحات فالح نفسه.

لم يستطع آلبو الوقوف طويلاً مع زهير. اتجه إليه عدة أفراد من الشرطة ليأخذوه جانباً:

ـ ما زلنا نحتجز العراقي في غرفة التحقيق الأولي. يرفض الحديث إلا بوجودك. يقول إنه عثر على الجثة ولا يعرف صاحبتها. ارتبك وتردد في الإبلاغ أولاً، ثم بتشجيع من صديقه حضرا ليقدما البلاغ بشكل مباشر.

 فتح آلبو باباً جانبياً وسار في ممر قصير، ليقف أمام شباك زجاجي عريض. خلفه شاهد رجلاً نحيلاً يجلس بارتباك. لم يكن ليتعرف على فالح علوان لو لم يخبروه باسمه. ثمة لحية خفيفة تعلو وجهه، وأصبح شعره فضياً أكثر وكبرت الصلعة وسط رأسه. منذ فترة ليست قصيرة لم يلتقه. لكم تغير هذا الرجل؟ في أي ورطة رمى نفسه الآن؟ كان فالح علوان يجلس إلى طاولة الاستجواب، يحاول إخفاء توتره، يحدق أمامه بالمرآة العريضة التي تمتد أمامه ويعرف جيداً أن ثمة من يراقبه من خلفها، فقد دخل كمترجم مثل هذه الغرف كثيراً.)

عرض مقالات: